فصل: مسألة كيف يحلف أهل القسامة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة تكون به جراحات فيقول بي فلان وفلان ثم ينص ما أصابه به كل رجل منهم:

ومن كتاب أول عبد:
وسئل عن الرجل تكون به جراحات وآثار ضرب فيقول بي فلان وفلان ثم ينص ما أصابه به كل رجل منهم فيقول: أما فلان فطعنني بالرمح وضربني فلان بالسيف وضربني فلان بالعصا فأوضحني، وخنقني فلان فمن فعل هؤلاء أموت إن مت مما ترون بي، ثم يموت فيوجد بعض تلك الجراحات قد أثخنته وبلغت مقاتله وشأن الخنق خفي أيجوز للأولياء أن يقسموا على من أحبوا؟ وكيف إن قال الميت أشدهم ألما الخنق أو الركض الذي فيه بي فلان، أو قال ضربة فلان بلغت مقاتلي أو طعنة فلان أو نص ما صنع به كل واحد منهم ولم يذكر مبلغها منه؟ قال: إذا لم يرم بدمه واحدا دون دوم واحد ولكن نص ما جرحه به كل واحد منهم فإنه ينظر إلى ما جرحه به كل رجل منهم، فإن وجد جرح أحدهم قد أنفذ مقاتله دون ما صنع به أصحابه لم يكن لهم أن يقسموا إلا عليه وحده، ولا خيار لهم في أن يقسموا على غيره، وإن وجدوا مقاتله قد أنفذها جراحات اثنين أو ثلاثة أو أجمعين أقسموا على من أحبوا ممن رئي أنه قد بلغ مقاتله فلم يدر من جرح أيهم مات، ولم يكن لهم الخيار في أن يقسموا على من جرحه جراحات لم توهنه ورئي أن جراحات غيره كانت أخلص إلى نفسه وأنفذ لمقاتله قال: وإن كانت كلها منفذه لمقاتله أو كلها غير موهنة له فيما يرى حتى لا يدرى من فعل أيهم مات أقسموا على من أحبوا من جميع القوم وقتلوه، قلت: أرأيت من برئ من أن يقسم عليه حين رئي أن جرح غيره أنفذه أيجب عليه ضرب مائة سوط وسجن عام كما يجب على الذين يجب عليهم القسامة؟ فيقسم الأولياء على أحدهم ويضرب الآخرون مائة مائة ويسجنون عاما.
قال محمد بن رشد: قوله إذا نص ما أصاب به كل واحد منهم من طعن برمح وضرب بسيف وركض وخنق أنه إن لم يرم واحد منهم دون غيره لم يكن لهم أن يقسموا إلا على من أنفذت جراحه مقاتله دون غيره ممن وصف ما أصابه به من الخنق والركض الخفي الشأن الذي لا يظهر يدل على أنه لو رمى بدمه الذي ركضه أو الذي خنقه لم يكن لهم أن يقسموا على سواه، وذلك مثل ما في سماع أبي زيد من أن التدمية بالركض والخنق وشبهه مما لا أثر له عاملة، وهو مذهب أصبغ قال: وقد قال مالك في الذي يلكز أو يضرب بالعصا أو يرمي بالحجر: إن فيه القسامة والقود إن كان عمدا بلا استثناء من ملك إن كان لذلك أثر أو جرح، والغالب من معرفة الناس أن اللكزة والعصا لا تجرح، وكذلك الركضة توهن داخل الجوف ولا تجرح، خلاف ما تقدم من قول ابن كنانة في آخر رسم العتق من سماع عيسى، وقد مضى هناك زيادة بيان فيه تتميم للمسألة.
ولم يجبه فيما سأله عنه من هل يجب على من برئ من أن يقسم عليه حين رئي أن جرح غيره أنفذ مقاتله ضرب مائة وسجن سنة أم لا؟ والجواب أن ذلك يجب عليهم؛ لأن الذي رماهم به من التعاون على قتله بالطعن والضرب والخنق لو قامت عليه البينة لقتلوا به جميعا، فإذا لم يكن إلا قوله فلم يمكنوا من القسامة إن على واحد منهم وجب أن يضرب سائرهم مائة مائة ويسجنوا حولا كاملا إذ من أهل العلم من يرى أنهم يقتلون كلهم بالقسامة كما كانوا يقتلون كلهم لو قامت على ذلك من فعلهم بينة. وبالله التوفيق.

.مسألة دمي على رجل ثم برأه ودمي على غيره:

وسئل عن الرجل يضرب فيسأل من به؟ فيقول: فلان وفلان ثم يقيم أياما فيقال له اتق الله ولا ترم بدمك بريئا فيقول بي فلان وفلان لغير الذين سماهما أولا بدمه، ولا يذكر تبرية الأولين أيخير الورثة بين أن يقسموا على من أحبوا من الأولين والآخرين؟ فقال: لا ولكن يكون قوله الذي رجع إليه تكذيبا لقوله الأول فتسقط القسامة عن الأولين والآخرين بما تبين من وهمه فيمن يرميه بدمه وجهالته بموضع حقه، ثم لا يقسم على دم مثل هذا إلا بلوث من بينة وهذا عندي بمنزلة رجل يرمي بدمه رجلا ثم يبرؤه ويرمي به آخر فتسقط القسامة عن الأول والآخر.
قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم وأشهب أنه إن دمي على رجل ثم برأه ودمي على غيره أو دمي على غيره ولم يبرئه أو دمي على جماعة ثم برأ بعضهم أو دمي على رجل ثم دمي عليه وعلى غيره أو قال لا أدري من بي لأني كنت سكرانا ثم دمي على رجل أن القسامة تبطل في ذلك كله، وقال أصبغ إلا إذا دمي على رجل ثم دمي عليه وعلى غيره فقال: إن كان لم يقل أولا ليس بي غيره فيقبل قوله الآخر، وقال ابن الماجشون يؤخذ بقوله الآخر في ذلك كله ولو لم يقبل قوله الآخر ما قبل قوله الأول وهو بعيد يرده ما روي عن أنس بن مالك قال «عدا يهودي في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جارية فأخذ أوضاحا كانت عليها ورضخ رأسها فأتى بها أهلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي في آخر رمق وقد أصمتت، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتلك فلان؟ لغير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا، فقيل لرجل آخر غير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا، فقال فلان لقاتلها فأشارت أي نعم، فأمر به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض رأسه بين جرحين» لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أعمل قولها إذ لم تضطرب فيه عند الاختبار، وإذا كان الشاهد تسقط شهادته باضطرابه فيها وشهادته بها بعد إنكاره لها حسب ما مضى القول فيه في رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات فأحرى أن ترد تدمية المدمى باضطرابه فيها وقوله بها بعد إنكاره لها، ورأى أصبغ تدميته على الرجل ثم تدميته عليه وعلى غيره إذا لم يقل أولا ليس بي غيره من ناحية زيادة الشاهد في شهادته، فأجازها وإن كان ذلك لا يقبل إلا من المبرز في العدالة، فقول ابن القاسم أظهر والله أعلم؛ لأن التدمية أضعف من الشهادة وأما إذا قال بي فلان أو فلان على الشك منه في أحدهما فلا اختلاف في أن تدميته تبطل ولا يكون للأولياء أن يقسموا على واحد منهما وبالله التوفيق.

.مسألة تجب لهم القسامة بالشاهد العدل فينكلون عن الأيمان:

قال يحيى: قلت له فالقوم تجب لهم القسامة بالشاهد العدل فينكلون عن الأيمان ويردونها على القاتل فيحلف ويبرأ ثم يجدون شاهدا آخر؟ قال: هم مثل الذي فسرت لك من أمر طالب الحق يشهد له عليه شاهد واحد فينكل عن اليمين ويرد اليمين على المطلوب ثم يجد شاهدا آخر أنه لا حق له ولا لأهل القسامة إذا عرضت عليهم حقوقهم بأيمانهم مع شاهدهم فنكلوا، قلت: أرأيت أهل القسامة لو لم تجب لهم إلا بقول المقتول فنكلوا ثم وجدوا شهداء على قاتل صاحبهم أيستحقون دمه بالشهداء أم لا حق لهم إذا نكلوا عن القسامة؟.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن نكول الأولياء على القسامة بالشاهد الواحد وردهم الأيمان على المدعى عليه بمنزلة نكول صاحب الحق عن اليمين مع شاهده ورده اليمين على المطلوب، وإذا كان بمنزلته وجب أن يدخل في مسألة القسامة من الاختلاف ما ذكرناه في رسم أول عبد من سماع يحيى من كتاب الشهادات في مسألة صاحب الحق ينكل عن اليمين مع شاهده فيرد اليمين على المطلوب فيحلف ثم يجد شاهدا آخر أو شاهدين سوى الأول، ولم يجب إذا نكلوا عن اليمين مع قول المقتول وردوا الأيمان على القاتل فحلف ثم وجدوا شهودا على القاتل هل يكون لهم القيام بهم أم لا ولا فرق بين المسألتين يدخل فيهما من الاختلاف ما دخل في الذين نكلوا عن القسامة مع الشاهد فردوا الأيمان على المدعى عليه وفي الذي نكل عن اليمين في حقه مع شاهده فردها على المطلوب، إلا أنهم لم يجدوا إلا شاهدا واحدا على القتل، فلا يضاف إلى قول المقتول، إذ ليس بشاهد وإنما هو لوث أوجب القسامة لأوليائه على مذهب مالك وأصحابه.

.مسألة كيف يحلف أهل القسامة:

قلت له كيف يحلف أهل القسامة أعلى البت أم على العلم؟ وكيف تكون أيمانهم؟ قال يحلفون بالله الذي لا إله إلا هو لمات من ضرب فلان بالبت لا يجزيهم أن يدخلوا في أيمانهم علمنا ولا ظننا ولا رأينا ولا شيئا غير أن يبتوا الحلف لمات من ضربه وتنتهي أيمانهم في ذكر الله والحلف باسمه تبارك وتعالى إلى أن يقولوا بالله الذي لا إله إلا هو وليس عليهم أن يقولوا الرحمن الرحيم ولا الطالب الغالب المدرك ولا شيء غير ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: قوله في أهل القسامة إنهم يحلفون لمات من ضرب فلان معناه إذا كانت القسامة بشاهدين على الضرب، وأما إذا كانت بشاهد واحد على الجرح على القول بوجوب القسامة بذلك فيحلفون لقد جرحه ولقد مات من جرحه، وكذلك إذا كانت القسامة بقول المقتول وقد حيي حياة بينة، وإما إن كانت بقوله وهو في غمرة الموت أو بشاهد واحد على القتل فيحلفون لقد قتله أو لقد جرحه الجرح الذي مات منه لا أكثر، قال ابن حبيب ويحلفون على قوله لقد ضربه ولمات من ضربه إن كان سمى ضربا، ولقد قتله ولمات من قتله إن كان سمى الميت قتلا، وسواء كان به أثر أو لم يكن، وأما قوله في أيمانهم إنها تنتهي من ذكر اسمه إلى أن يقولوا بالذي لا إله إلا هو فهو قوله في المدونة المشهور من مذهبه وقد قيل إنه يزيد في يمينه عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، وهو قول ابن كنانة في المدنية، وفي كتاب ابن شعبان أن من حلف على المنبر فليقل ورب هذا المنبر، وقد روى ابن القاسم وابن وهب من مالك أن الحالف في القسامة يقول بالله الذي أحيى وأمات ذكر ذلك ابن حبيب في الواضحة، والزيادة على بالله الذي لا إله إلا هو عند من رأى ذلك إنما هو استحسان، إذ لم يختلف في أن من لم يزد على ذلك شيئا تجزيه يمينه، فالاختلاف إنما هو هل تستحسن الزيادة أم لا؟ واستحسانها أحسن، وأما إذا لم يزد على بالله أو قال والذي لا إله إلا هو فلا تجزيه اليمين، قاله أشهب في الحالف والذي لا إله إلا هو.
ولا يحلف في القسامة إلا قائما مستقبل القبلة، ويستحب أن يكون ذلك في دبر صلاة العصر، وأما في الحقوق فقيل إنه يحلف قائما مستقبل القبلة وهو قول ابن الماجشون، وقيل إنه يحلف قائما وليس عليه أن يستقبل القبلة وهو ظاهر ما في المدونة وما في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وقيل ليس عليه أن يحلف قائما وهو قول ابن كنانة وبالله التوفيق.

.مسألة لم يكن للمقتول عمدا عصبة ولا وارث:

قلت: أرأيت إن لم يكن للمقتول عمدا عصبة ولا وارث أتقسم القبيلة التي هو منها وهو معروف الانتماء إليهم يعقل معهم ويعقلون معه؟ قال: لا قسامة لهم ولا لأحد إلا بوراثة بنسب ثابت أو مولى ولاء أهل نعمته عليهم، ولا يقسم الموالي الأسفلون ولا تقسم القبيلة التي لا تستوجب ميراثه بالانتماء إلى أب يلقاهم عنده بالبينة العادلة.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قاله، ولا اختلاف فيه أحفظه وبالله التوفيق.

.مسألة تقول دمي عند فلان ثم تطرح جنينا ميتا:

وسألته عن المرأة تقول: دمي عند فلان ثم تطرح جنينا ميتا، فقال: إن ادعت دمها عمدا قتل بالقسامة، قلت أرأيت إن ضربها رجل عمدا فثبت عليه الضرب فطرحت جنينها ثم ماتت أيجب عليه عقل الجنين مع القود إذا سقط ميتا أو إذا ثبت عليه ضربها بالبينة خطأ فسقط ميتا ثم ماتت أيكون عليه عقله مع عقلها أو هل تكون الغرة في خاصة ماله أو على العاقلة؟ وكيف في ثبوت الضرب عليه عمدا أو خطأ بالبينة إن طرحت جنينها حيا فاستهل ثم مات؟ فقال: إذا ثبت عليه أنه ضربها خطأ فطرحت جنينها، ثم ماتت كان عقلها على عاقلته إذا أقسم أولياؤها لماتت من ضربه، ويحلف ورثة الجنين يمينا وحده لمات من ضربه إياها ثم يكون عليه لهم الغرة في خاصة ماله إذا طرحته ميتا، فإن طرحته حيا ثم مات كانت في الأم قسامة وفي الجنين أيضا قسامة، وكان عقلاهما تأمين على عاقلة الضارب، قال فإن قامت عليه البينة أنه ضربها عمدا فطرحت جنينها ميتا ثم ماتت أقسم عليه أولياؤها واستحقوا دمها، وحلف ورثة الجنين يمينا واحدة فأغرموه الغرة في ماله واستقيد منه بدم الأم، وإن طرحت حيا فاستهل ثم مات؛ فإن كان ضربه إياها عمدا في بعض جسدها كانت في الجنين القسامة واستحق بذلك عقله في ماله وأقسم أولياء المرأة على ضاربها عمدا فقتلوه، وإن كان ضرب بطنها حتى رأى الشهود أن عمد القتل الجنين فطرحته حيا واستهل ثم مات كانت فيه القسامة وفي أمه كذلك، ووجب القتل على الضارب لأولياء المرأة وأولياء الجنين يعفون إن أحبوا أو يقتلون ولا يضر أولياء الجنين عفو أولياء المرأة، ولا يضر أولياء المرأة عفو أولياء الجنين وأولياء كل واحد منهما أحق بالاستقادة لدم صاحبهم إلا أن يعفو من أولياء كل واحد منهما واحد ممن يجوز له العفو فلا سبيل إلى القتل.
قلت فلم رأيت عقل الجنين في مال الضارب حين ثبت عليه أنه ضرب أمه عمدا في بعض الجسد فطرحته حيا ثم مات؟ قال: لأن الضرب إذا كان عمدا فصار منه هلاك الجنين ولم يعمد لقتل الجنين بخاصة فهو عندي بمنزلة الذي يقطع أصبع الرجل عمدا فيشل يده ثم يستقاد منه بقطع الأصبع فلا تشل يد المستقاد منه، فإنه يعقل للمجروح الأول عقل شلل اليد ويكون ذلك في خاصة مال الجارح.
قلت: أرأيت ما كان مثل هذا مما يجب في خاصة مال الجاني؟ من أي أسنان الإبل يؤدي أمن أسنان العمد الأربعة أم من أسنان الخطأ الخمسة؟.
قال محمد بن رشد: دية جنين الحرة المسلمة أو النصرانية من المسلم إذا ضربت أو ضرب بطنها فألقت جنينها ميتا وهي حية غرة عبد أو وليدة على ما جاءت به السنة، وقال أشهب: إذا ماتت من الضربة ففي جنينها الغرة خرج قبل موتها أو بعد موتها، وهو قول ربيعة والليث وقيمة الغرة على مذهب مالك خمسون دينارا أو ستمائة درهم وهو من الجراح ويستوي فيه العمد والخطأ؛ لأنه أقل من ثلث الدية فلا تحمله العاقلة، ولو كان الجاني عليه من المجوس لافترق فيه العمد من الخطأ لأنه أكثر من ثلث دية الجاني فيكون في الخطأ على عاقلته، ولا يثبت بالقسامة مع قول أمها، وإنما يثبت بشاهدين على الضرب أو بشاهد واحد مع يمين كل واحد من الورثة لأنه مال من الأموال والذي يأتي في هذا على معنى ما في المدونة إذا تدبرته، والذي في هذه الرواية من أنه لا يستحق ورثة الجنين الغرة إلا بأيمانهم لمات من ضربه أظهر فإن لم يشهد على الضرب إلا شاهد واحد حلف الورثة على الضرب، وعلى أنه مات منه على هذه الرواية، وعلى معنى ما في المدونة إنما يحلفون على تحقيق ما شهد به الشاهد من الضرب خاصة إذ لوثبت الضرب لاستحقوا الغرة على معنى ما فيها دون يمين، هذا الذي رجع إليه مالك من أن دية الجنين لورثته، وقد كان يقول أولا إنها لأبويه خاصة على الثلث والثلثين فأيهما خلا بها كانت له كلها ولا شيء فيها لأحد من سائر ورثته، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة والمغيرة وابن دينار، وقال ربيعة إنه للأم خاصة؛ لأنه عضو من أعضائها وجرح من جراحها، فإن ماتت هي من الضرب كان فيها الدية في الخطأ على العاقلة والقصاص في العمد بالقسامة مع قولها أو مع شهادة شاهدين على الضرب أو شهادة شاهد واحد على الاختلاف في القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح، وكذلك إن استهل الجنين بعد خروجه فمات كانت فيه الدية في الخطأ على العاقلة والقصاص في العمد إلا أنه لا يثبت بالقسامة مع قول أمه، وإنما يثبت بالقسامة مع شاهدين على الضرب لمات منه، وقد قال بعض المدنيين عن مالك: إنه لا قسامة فيه إذا استهل فمات مكانه وإنما تكون فيه القسامة إذا عاش ثم مات أو بشاهد واحد على الضرب على القول بأن القسامة تكون مع الشاهد الواحد على الجرح.
هذا إذا كان الضرب في البطن، وأما إذا كان في سائر أعضائها فقيل إنه لا قصاص في ذلك وإنما فيه الدية في مال الجاني، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في المدونة من قول ابن القاسم قال: لا يكون العمد في المرأة إلا أن يضرب بطنها خاصة تعمدا، فهذا الذي يكون فيه القصاص بقسامة، إلا أن سحنون علم عليه فقال ليس من الأمهات، وهذا القول ينحو إلى القول بشبه العمد الذي قال به أكثر أهل العلم ورواه العراقيون عن مالك لأنه عمد في الضرب وخطأ في القتل إذ لم يقصد الضارب في غير البطن إلى قتل ما في البطن وشبه ذلك في هذه الرواية بما شبهه به، وهو بشبه العمد أشبه، وقيل: إن فيه القصاص إذا علم أن سقوطه كان من الضربة كانت في بطنها أو في ظهرها أو في أي عضو ما كان من أعضائها وقع ذلك لابن القاسم في النوادر، وهو القياس على أصل مذهب مالك في أن شبه العمد باطل.
ولما سأله عن الدية هل تكون في ماله مربعة أو مخمسة لم يجبه على ذلك، والجواب في ذلك أنها تكون في ماله مربعة كدية العمد إذ لا مدخل للخطأ في ذلك، بل لو قيل إنها تكون مثلثة لأنها دية شبه العمد عند من رآه من أهل العلم حسبما ذكرناه في أول سماع ابن القاسم لكان له وجه، فقوله في أول المسألة في المرأة تقول دمي عند فلان وتطرح جنينا ميتا إنها إن ادعت دمها عمدا قتل بالقسامة، يريد وإن ادعته خطأ كانت ديتها على العاقلة بقسامة أيضا، وسكت عن الجنين إذ لا يجب فيه شيء بالقسامة على ما ذكرناه خرج ميتا أو استهل صارخا إذ لا يقبل قول الأم في قتل ابنها، وقد أتى ما ذكرناه على سائر المسألة، وقد مضى في رسم المكاتب القول فيما يستحق به دية جنين النصرانية فلا معنى لإعادته.
واختلف في جنين الأمة فقيل فيه عشر قيمة أمه، وهو قوله في المدونة، وقيل ما نقصها وهو قول ابن وهب، وكذلك جنين أم الولد من غير سيدها ففيه الغرة كجنين الحرة من زوجها وبالله التوفيق.

.مسألة يجرحه جرحا يبلغ مقاتله ثم يعدو عليه رجل آخر فيجهز عليه:

وسألته عن الرجل يشق بطن الرجل عمدا أو يجرحه جرحا يبلغ مقاتله ثم يعدو عليه رجل آخر فيجهز عليه، قال: يستقاد من الأول الذي بلغ مقاتله ويعاقب الثاني الذي أجهز عليه، ولا يقتل به إلا الأول، وأما الثاني فلا قتل عليه ولكن ليفظع في عقوبته فقد اجترم عظيما، قال وإنما ينظر في هذا إلى ما بلغ منه فإن أنفذ مقاتله حتى لا تعود له حياة لترجى كان أمره على ما وصفت لك وإن أكل وشرب وتكلم، قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن الرجل يضرب الرجل للبطن فيشق أمعائه أو يضربه ضربة يعلم أنه لا يحيى من مثلها ثم يجهز عليه آخر. قال: يقتل الأول ويعاقب الثاني وكذلك كل من ضرب ضربة يعلم أنه لا يحيى من مثلها ثم أكل بعد ذلك أو تكلم ثم مات فإنه قاتله يقتل بلا قسامة.
قال محمد بن رشد: في سماع أبي زيد بعد هذا أن القاتل الآخر هو الذي يقتل، ولا يكون على الأول إلا الأدب، وإيجاب القود على الأول أظهر، ولو قيل إنهما يقتلان جميعا لأنهما قد تشاركا في قتله لكان لذلك مطعن، ووجه رواية أبي زيد أنه بعد إنفاذ مقاتله معدود في جملة الأحياء يرث ويورث ويوصي بما شاء من عتق وغيره، فوجب أن يقتل قاتله وإن علم أن حياته لا تتمادى به كما لو قتل من بلغ به المرض مع الكبر إلى حال يعلم أنه لا تتمادى حياته معه، وقد روي عن سحنون أن وصية من أنفذت مقاتله لا تجوز، فعلى قوله لا يرث ولا يورث ولا يقتل به قاتله، وعلى رواية أبي زيد يرث ويورث ويقتل به قاتله ولم يتكلم ابن القاسم في هذه الرواية هل يرث بعد إنفاذ مقاتله ويورث أم لا؟ والقياس على قوله في أنه يقتل الأول به ألا يرث ولا يورث، والمنصوص من قوله على ما مضى في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى أنه يرث ويورث، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال بالتفرقة بين القصاص والموارثة وهي أحسن الأقوال والله أعلم.

.مسألة الميت أحق بدمه من الأولياء:

قال يحيى: وسألته عن الرجل يقتله النفر عمدا فيعفو قبل موته عن بعضهم أو يأخذ الدية من بعضهم ويأمر بقتل بعضهم، فقال: عفوه جائز ومن عفا عنه أيضا على أخذ الدية منه فذلك جائز له ولازم للذي صالحه على غرم الدية، قلت: أرأيت إن مات فأراد الورثة العفو عن الذي أمر ألا يعفى عنه يكون لهم العفو وقد كان أمر بقتلهم إن مات من جراحاته التي أصابوه بها؟
قال محمد بن رشد: لم يقع على هذه المسألة جواب. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ أنه لا عفو للأولياء إلا أن يستحقوه بقسامتهم فيكون العفو إليهم، وقوله صحيح بين؛ لأن الميت أحق بدمه من الأولياء فلما لا يكون لهم أن يقتلوه إذا عفا عنه لا يكون لهم أن يعفوا عنه إذا أوصى ألا يعفى عنه، فإذا مات ولم يعف ولا أوصى بعفو ولا قتل نزل ورثته في ذلك بمنزلته فكانوا مخيرين بين القتل والعفو بدليل قول الله عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]. وقد ذكر فضل عن أشهب أنه لا عفو للولاة إذا أقسموا، وهو بعيد إذ لا فرق بين أن يجب القود بإقامة البينة على القتل أو بالقسامة في جواز العفو لهم وبالله التوفيق.

.مسألة قال لا تقسموا إلا على فلان:

قلت: أرأيت إن لم يثبت الدم بقسامة أله أن يقول: لا تقسموا إلا على فلان فيلزمهم ألا يقسموا على غيره؟ قال: ما أرى ذلك إلا له لأنه أعلم بأشدهم ضربا له وأيهم كان أشد عليه فلا أرى إذا قال لا تقسموا إلا على فلان أن يقسموا على غيره.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله واحتج به فلا وجه للقول فيه.

.مسألة قال لا تقسموا إلا على فلان وضعوا القسامة عن سائرهم:

قلت أرأيت إن قال دمي خطأ عند فلان وفلان وفلان فسمى رجالا وقال: لا تقسموا إلا على فلان وضعوا القسامة عن سائرهم؟ فقال: إن كان ثلث المقتول يسع ما كان يصير من الدية على الذين أمر بوضع القسامة عنهم لم يكن للورثة أن يقسموا إلا على الذي أمر الميت أن يقسم عليه ويكون لهم على عاقلته بقدر ما كان يصير عليه من الدية بالقسامة لو أقسموا عليهم أجمعين، وتسقط القسامة عن الآخرين ويسقط عنهم ما كان يجب عليهم من الدية بالقسامة، قال: وإن لم يسع ذلك الثلث خير الورثة فإن أحبوا أن يقسموا على الذي أمر به وحده ويحوزوا وصية صاحبهم، فيسقطون من الدية ما كان يصير على الذين أمر الموصي ألا يقسموا عليهم، فذلك لهم وإن أبوا ذلك لضيق الثلث أقسموا عليهم أجمعين وتحاص الذين أوصى لهم المقتول ألا يقسم عليهم في الثلث ثم يوضع عن كل واحد منهم مما وجب عليه من الدية بقدر ما نابه من الثلث، وكان ما بقي على عواقلهم أجمعين وثبت على الذي أمر أن يقسم عليه ما ينوبه من جميع الدية على كل حال إن أقسموا عليه وحده أو عليهم أجمعين.
قلت: أرأيت إن قال الورثة لا نقسم إلا عليهم أجمعين وسع ذلك الثلث أو لم يسع، فإذا ثبت الدم أسقطها عن الذين وضعت عليهم القسامة ما وجب عليهم من الدية أذلك لهم؟ وهل لعاقلة الذي يقسم عليه وحده إذا كان بعد ثبوت الدم لا يصير عليه إلا أقل من ثلث الدية أن يقولوا: لا نغرم شيئا إلا الذي وجب على صاحبنا لم يبلغ الثلث، والدم لم يرم به هو وحده، وأنتم لم تحلفوا على جميع من وجب لكم عليه القسامة.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا كان ثلث المقتول يسع ما يصير على الدية على الذين أمر بوضع القسامة عنهم لم يكن لهم أن يقسموا إلا على الذي أمر الميت أن يقسم عليه خلاف ما في سماع سحنون أنهم يقسمون على جميعهم، وليس لهم أن يقسموا على بعض دون بعض، فإذا أقسموا على جميعهم نظر حينئذ إلى الذين أمر ألا يقسم عليهم، فإن كان ثلث ماله يحمل ما يقع عليهم من الدية لم يكن عليهم شيء، يريد وإن لم يحمل ذلك ثلث ماله سقط عن كل واحد منهم ما حمل الثلث من ذلك، وكان الباقي على عاقلة كل واحد منهم.
ووجه هذا الاختلاف أنه حمل قوله في هذه الرواية على أنه إنما أمر بالقسامة على بعضهم من أجل أنهم كانوا أشد عليه فيما أصابوه به فوجب ألا يتعدى بالقسامة من أمر أن يقسم عليه؛ لأنه أعرف بقدر ما أصابه به كل واحد منهم، وحمل قوله في رواية سحنون على أنه إنما أراد الإحسان إلى الذين أوصى ألا يقسم عليه منهم مع تساويهم فيما أصابوه به، فلم يكن له أن يكلف الورثة القسامة على بعضهم دون بعض مع تساويهم فيما أصابوه به فتكون أيمانهم على ذلك أيمان غموسة، ولو بين فقال لا تقسموا إلا على فلان فإن الذي أصابني هو به أشد مما أصابني سائرهم لم يكن لهم أن يقسموا إلا عليه قولا واحدا، ولو بين أيضا فقال: لا تقسموا إلا على فلان وإن كان هو وغيره سواء فيما أصابوني به لم يلزم الورثة وصيته بذلك وكان لهم أن يقسموا عليهم كلهم قولا واحدا والله أعلم.
وتفسير ما ذكره من التحاص إذا كان ثلث ماله لا يحمل ما يصير من الدية على الذين أوصى ألا يقسم منهم إلا على واحد ويكون المقتول قد ترك من المال سوى الدية مائتي دينار فمال الميت على هذا ألف دينار ومائتا دينار، وثلثه أربعمائة دينار والموصى لهم تسعة أنفس بتسعمائة دينار فيتحاصون في ثلث الميت فيصير لكل واحد منهم أربعة أتساع ما عليه من الدية فيسقط عن كل واحد منهم أربعة أتساع المائة التي عليه وعلى عاقلته، ويكون عليه وعلى عاقلته خمسة أتساع المائة التي كانت عليه وعليهم؛ لأنه كرجل منهم فيما يلزمهم.
وقوله في الرواية قلت: أرأيت إن قال الورثة: لا نقسم إلا عليهم أجمعين إلى آخر قوله لم يقع عليه فيها جواب، وذلك يجري على ما تقدم من الاختلاف، فلا يكون ذلك لهم على هذه الرواية ويكون ذلك لهم على ما في سماع سحنون وبالله التوفيق.

.مسألة أولياء الدم الذين وجبت لهم القسامة يغيب بعضهم:

وسألته عن أولياء الدم الذين وجبت لهم القسامة يغيب بعضهم أيقسم من حضر منهم؟ فقال: إذا كان الذي غاب من أهل القعدد ممن يجوز عفوه على من حضر لو ثبت لهم دم وممن لو حضر فنكل ردت القسامة بنكوله على المدعى عليه فمن غاب من هؤلاء انتظر أبدا حتى يقدم فيقسم أو يعرف نكوله، ولا سبيل إلى القتل دون ذلك وإن أقسم من حضر ممن هو من الميت بمنزلته، وإنما يؤمر من حضر منهم أن يقسم وإن غاب صاحبه؛ لأنه إن نكل من عاجل سقطت القسامة عنه وعمن حضر من أصحابه أو غاب، وردت الأيمان على المدعى عليه، وإن حلف الحضور ولم ينكل أحد منهم فذلك أمر قد احتيطت فيه لأولياء الدم لما يخاف عليهم من الموت قبل أن يقدم صاحبهم الغائب خوفا من أن يقدم ليقسم فيوجد هؤلاء قد ماتوا أو لا يوجد أحد يقسم معه فيبطل الدم، ولكن يتعجل القسامة ممن حضر ثم يحبس القاتل حتى يقدم على الغائب فيقسم أو يعرف نكوله ولا يعجل في القتل دون قدومه وإن كان الحضور الذين أقسموا اثنين فصاعدا، فليس ذلك بالذي يوجب لهم القتل بقسامتهم دون حضور الغائب منهم، قال: ولو كان الغائب منهم ممن لو حضر فثبت الدم لم يجز عفوه وإن نكل لم تسقط القسامة بنكوله حلف الحضور الذين هم أقعد واستحقوا الدم، وإن لم يكن الحاضر الأقعد إلا واحدا فوجد ثانيا فما فوقه ممن تجوز له القسامة حلف واستحق الدم ولم ينتظر الغائب، وإن كان في القعدد مثل الذي يستعين بقسامته الأقعد الحاضر مثل أن يكون الأقعد الحاضر ابن المقتول والمستعان به أخ أو ابن عم والغائب أيضا ابن عم أو أخا، فهذا الذي لا ينتظر وإن حضر فنكل لم يضر نكوله ابن المقتول إذا جاء بثاني فما فوقه من إخوة الميت أو بني عمه أو عصبته يقسمون معه.
قلت: أرأيت إن نكل أخو المقتول أن يحلف مع ابن أخيه فحلف مع ابن المقتول عم المقتول أو ابن عم أو مولاه الذي أعتقه أتسقط القسامة بنكول هذا الذي هو أقعد من الذين يريدون أن يقسموا مع ابن المقتول؟ فقال: لا تسقط قسامتهم ما لم ينكل الأقعد دنيا الذي يجوز عفوه على من معه وهو أطرف منه، ولكن يقسم هو والأطرف ولا ينظر إلى نكول الأوسط.
قال محمد بن رشد: قوله فمن غاب من هؤلاء انتُظر أبدا حتى يقدم، ظاهره وإن كان بعيد الغيبة، وهو ظاهر ما في المدونة أيضا بخلاف الصغير، وقد قيل: إنه ينتظر الصغير كالغائب، وقال سحنون إن قرب بلوغ الصغير أو مغيب الغائب انتظر، وإن بعد الغائب ولم يقرب بلوغ الصغير لم ينتظر واحد منهما، فحمل المسألتين بعضهما على بعض، والقياس أن ينتظر الصغير وإن بعد بلوغه والغائب وإن بعدت غيبته.
وقوله: وردت الأيمان على المدعى عليه ظاهره أنه هو يحلف وحده إذا ردت عليه الأيمان، ومثله في المدونة، وهو نص قول مطرف، وقد مضى الاختلاف في هذا وتوجيهه في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته وسائر ما ذكره في المسألة بيّن لا إشكال فيه ولا وجه للقول.